يمكن القول بأنه ـ وقبل اختراع الطباعة ـ بأنه لا حائز بين حرية الرأي وحرية الصحافة، فالعنوان الأخير كان ينضوي تحت عنوان واسع شامل وهو حرية إبداء الرأي.
أما الصحافة بالصورة التي هي عليها الآن فقد اقترنت بتاريخ اختراع الطباعة أو تأخرت عنه قليلاً فقد (كان تقدمها ـ الصحافة ـ مرتبطاً ارتباطاً تاريخياً بنمو المدنية الغربية منذ بداية القرن السابع عشر، إلا أنها في النصف الثاني للقرن التاسع عشر والنصف الأول للقرن العشرين، اتخذت طابع الصناعة الكبيرة، وأن استهلاكها المنتظم شمل عملياً كافة السكان في البلدان المصنعة على الأقل، حيث أصبحت قرائتها عادة ونسقاً من السلوك الاجتماعي)1.
وكما سبق أن ذكرنا من تأخر الصحافة المكتوبة زمناً عن اختراع الطباعة فإن ظهور أول صحيفة مطبوعة كان يرجع تاريخها إلى ما بعد اختراع الطباعة بقرنين أي مع بداية القرن السابع عشر.
لقد كانت باكورة الصحافة المطبوعة، واول نتاج شهده العالم من نوعه هي النشرة الدورية الفرنسية المسماة بالغازيت ليتوفرات رينودت Gazette De France De Theophrate Renaudot.
والتي صدرت عام 1631م برعاية (ريشيليو) الرجل الذي اقترنت باسمه الجائزة الأدبية العالمية.
دور الصحافة في إرساء قواعد الحرية
لا يخفى أن العالم ـ ومع بدايات الصحافة المطبوعة ـ قد مر بفترة احتكار الدول للصحافة المطبوعة، فقد كانت الدولة تحتكر الصحف وتتخذ منها وسيلة لنشر قراراتها، وتوجيه الناس. ولكن هذا الدور سرعان ما انحسر مع صعود سلطة المثقفين.
(فإن دور الصحافة قد نما وتطور مع صعود سلطة المثقفين، وأصحاب الرأي، وقد وجدت فيها ـ الصحافة ـ الثورة الفرنسية وسيلة لإعداد المواطنين وبالتالي الوسيلة الممتعة التي لابد منها لحق الاقتراع)2 وممارسة الشعب، ومشاركته في الأمور السياسية ذلك المبدأ الذي كانت الثورة الفرنسية تدعو إليه. وقد انعش هذا المفهوم ـ مفهوم الاقتراع ـ كل المدافعين عن حرية الصحافة.
ومن هنا انتقلت الصحافة وتجاوزت المرحلة التي كانت فيها وسيلة للدول ـ السلطة ـ إلى كونها وسيلة وأداة بيد الشعب ليعبر من خلالها عن آرائه بحرية في قبال آراء السلطات مما يساعد لوضع حد لسياسة الحكام لئلا يتجاوزوها ويتعدوا على حريات الشعب.
ولكن هذه المسألة ـ كون الصحافة تعبر في جزء منها عن الشعوب ـ بقيت رهن الدول كذلك وبمقدار تبنيها للمبادئ الديمقراطية، وايمانها بها فهي تتفاوت من مجموعة دولية إلى أخرى.
ففي حين نرى حرية الصحافة تتجسد في قيمتها في المجموعة الغربية التي تتبنى الديمقراطية منهجاً وتطبيقاً نجد الصحافة تنحسر حريتها عند أقل درجة في دول الشرق التي تتبنى غالبيتها الديمقراطية نظرياً فقط وإن يكن للصحافة دور في ممارسة الرقابة على الدول فانه دور ثانوي يسير.