أن يتغلب على متاعب الحياة ويحصل على قوته اليومي. ومن الجدير بالملاحظة أن ابن الهثيم أدرك الأخطاء التى تردى فيها هذان العالمان فعارضهما وانتقدهما وبين أخطاءهما، فقد قال كل من أويقليد وبطليموس أن العين ترسل أشعة بشرية على الأشياء المراد رؤيتها، فأعلن ابن الهثيم خطأ هذا الرأي، وقال: أن العين لا ترسل شعاعاً، وإن هذا الشعاع ليس هو الذي يسبب الرؤية والعكس هو الصحيح فإن الجسم المرئي هو الذي يرسل أشعة إلى العين وإن عدسة العين هي التي تحوله.
وكان هذا الرأي لابن الهيثم كشفا جديدا قفز بالعالم العربي بخواص الحواس قفزة بعيدة جداً وصحح الخطأ الذي وقع فيه العالم القديم، وفسر لنا ابن الهثيم الضوء ومظاهره، كما أوجده بذلك قانوناً جديداً أثبت صحته وأيده بتجارب كثيرة مختلفة فكان ابن الهثيم هو صاحب النظريات العلمية المعتمدة على التجارب، وابن الهثيم هو وأمثاله من العلماء العرب هم مؤسسوا الأبحاث التجريبية وليس (روجر بيكون) أو (جليلي)، أو (ليوناردو ديفنشي) أو (باكوفون فرولام)، فالعرب سبقوهم وبلغوا بأبحاثهم التجريبية المستوى الرفيع وأصبح اسم الحسن بن الهيثم هو همزة الوصل وهو النجم الذي أضاء الطريق ومهد لقيام الأبحاث الحديثة بعد أن سبق أوروبا إليها.
فإبن الهيثم هو الذي استغل الزمن الذي مضاه مختاراً في سجنه، كما استغل أيضاً الأعوام التي تلت خروجه وقام بأبحاثه العلمية وتجاربه الخاصة بالبصريات الهندسية فخلق بذلك علماً مستقلاً.
تقول الدكتورة سيجريد هونكه في كتابها (شمس الله تشرق على الغرب ـ فضل العرب على أوروبا) الحسن بن الهيثم (965ـ1039م) هو الذي أثر في أوروبا تأثيراً بعيداً وعرفته تحت مسمى (الحسن) وكان أشهر الأساتذة العرب الذين أخذوا بيدها في هذا المضمار من البحوث، فقد وضع نظرية حول حركات الأفلاك على أطباق غير شفافة وقد شغلت هذه النظرية العصور الوسطى كثيراً كما خلقت لنا أثراً في المكان الخاص بـ "شتمه" بالقرب من مدينة (إينزبروك) حيث توجد إلى اليوم مائدة من خشب القرو ترجع إلى عام 1428م، وقد صنعت في أوجسبرج، وهي تبين حركات الأفلاك الستة حسب نظريته وفي صورة نموذجية.